بسم الله الرحمن الرحيم
سنأخذكم في رحلة مشوقة بإذن الله أقرؤها كاملة ولن تندموا ابدآ
بسم الله نبدأ....
ورد ذكر "الجنة" بهذه اللفظة 56 مرة، في القرآن، لكنها وردت فيه بأسماء أخرى هي أقرب إلى الصفات التي تدل على ماهيتها و ما يلقاه الإنسان فيها.
فمن أسماءها الفردوس و الغرفة و دار السلام و دار القرار و الحُسنى و جنات النعيم و جنات عدن و دار الخلد و دار المقامة و المقام الأمين و مقعد صدق.
أما أول خلقِها فيروي لنا الترمذي أنه عندما خلق الله الجنة بعث جبريل كي ينظر إليها و ما أعدّ الله لأهلها فذهب جبريل و نظر إليها ثم عاد و قال مُقسِماً: " فوعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها" فأمر الله بها فحُفّت بالمكاره، ثم قال لجبريل إرجع فأنظر إلى ما أعددت لأهلها فيها فعاد جبريل فرأى الجنة وقد حفتها المكاره فرجع إلى الله تعالى وقال: "وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد". ثم أمر الله جبريل أن يذهب أن ينظر إلى النار فذهب جبريل فإذا بالنار يركب بعضها بعضا فرجع إلى الله وقال "وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها" فأمر الله بالشهوات أن تحفّ نار جهنم وقال لجبريل إرجع إليها، فرجع جبريل إليها ورآها محفوفة بالشهوات ثم رجِع إلى الله و قال " وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها".
و تقع الجنة تحت عرش الرحمن مباشرةً و هي فسحة كبيرة و لك أخي القارئ أن تتخيل فسحتها و مساحتها الهائلة إذا ما عرفت أن عرضها عرض السماوات و الأرض وإن إرتفاعها مائة درجة و أن بين كل درجة و الأخرى كما بين السماء و الأرض. و لك أن تتخيل حجمها أيضاً إذا ما عرفت أن في الجنة شجراً يسير الراكب في ظل الواحدة منها مائة عام فلا يقطعه، سبحان الله!
أما بناء الجنة فيتناوب فيه الطوب الذهبي و الطوب الفضي و يتخلله ثمانية أبواب ضخمة ذات مصراعين يسير الراكب السريع بينهما (بعرض الباب) مسيرة ثلاثة أيام. و تظل سبعة من هذه الأبواب الثمانية مغلقة على الدوام حتى يأتيها محمد -صلوات الله عليه وسلامه- فيأخذ بحلقة باب الجنة فيقعقعها فتفتح على مصراعيها، و سوى ذلك فهي تفتح طوال شهر رمضان الفضيل ثم يُعاد غلقها، روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين". أما الباب الثامن - وهو باب التوبة - فقد خلقه الله مفتوحا على الدوام ولا يُغلَق حتى طلوع الشمس من مغربها.
و لأبواب الجنة أسماء هي: باب محمد وهو نفسه باب التوبة ، و باب الصلاة و باب الصوم وهو نفسه باب الريان (يفتح حتى يدخل منه الصائمون ثم يقفل ولا يفتح لأحد غيرهم) و باب الزكاة و باب الصدقة و باب الحج والعمرة و باب الجهاد ("عليكم بالجهاد في سبيل الله ، فإنه بابٌ من أبواب الجنة ، يُذهب الله به الهم والغمّ" ) و باب الصلة.
و إن شئت أن تدخل من أي هذه الأبواب تشاء أخي القارئ فما عليك إلا حمل مفتاحها "الجنة مفتاحها لا آله إلا الله والأعمال الصالحة هي أسنان المفتاح" و من ثم إتباع تعليمات الفتح التي أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من يتوضأ ثم يقول أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله إلاّ فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيهما يشاء"
و إذا كتب الله لنا و لكم الدخول من هذه الأبواب - بحوله و قوته - فكل منا ذاهب إلى مستقرٍ بحسب عمله و درجته و لكن أول ما ستطأه قدمك أخي المسلم هو الزعفران و المسك حيث أن أرض الجنة ترابها الزعفران و طينها المسك.. و سيداعب أنفك رائحة عبقة زكية تملأ جنباتها وهذه الرائحة يجدها المؤمنون من مسيرة اربعين عام. أما سقف الجنة، فكما أسلفتُ الجنة تقع تحت عرش الرحمن مباشرةً، فتخيل أخي جمالَ دارٍ عرش الرحمن سقفٌٌ لها؟! سبحاااااان الله!
وإذا ما جال بصرك في فسحة الجنة فإنك سترى - بإذن الله - من جمال غرسها شجرٌ ضخم ساقه من ذهب و أوراقه رقائق من حُلل و سترى من بديع أنهارها ما يجري منه العسل المصفى و اللبن الذي لا يتغير طعمه و الخمر لذة الشاربين. و تنبع من هذه الأنهار الأربعة عيون الجنة، فمنها عين تسنيم وهى أشرف شراب أهل الجنة من الرحيق المختوم الذي جُعِل للمقربين، و منها عين السلسلبيل التي مُزِجت بالزنجبيل و هي لأهل اليمين و منها عين مُزِج شرابها بالكافور وهي شراب الأبرار. وجميع هذه الأشربة لا تُسكِر ولا تصدع ولا تذهب العقل بل تملأ شاربيها سرورا ونشوة.
بقي أن نذكر من أنهار الجنة نهر الكوثر الذي أعطاه الله للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- و هو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل و فيه طيرٌ أعناقها كأعناق الجمل، سبحان الله، و كذلك نهري البيدخ و بارق. أما نهر البيدخ فيغمس فيه الشهداء فيخرجون منه كالقمر ليلة البدر وقد ذهب عنهم ما وجدوه من أذى الدنيا، و أما بارق فهو على باب الجنة و يجلس عنده الشهداء فيأتيهم رزقهم من الجنة بكرة و عشيا!
كما قلتُ آنفاً للجنة مائة درجة و قد روى ابن جرير عن اليمان الهوزني أنه قال "الْجَنَّة مِائَة دَرَجَة أَوَّلهَا دَرَجَة فِضَّة وَأَرْضهَا فِضَّة وَمَسَاكِنهَا فِضَّة وَآنِيَتهَا فِضَّة وَتُرَابهَا الْمِسْك وَالثَّانِيَة ذَهَب وَأَرْضهَا ذَهَب وَمَسَاكِنهَا ذَهَب وَآنِيَتهَا ذَهَب وَتُرَابهَا الْمِسْك وَالثَّالِثَة لُؤْلُؤ وَأَرْضهَا اللُّؤْلُؤ وَمَسَاكِنهَا اللُّؤْلُؤ وَآنِيَتهَا اللُّؤْلُؤ وَتُرَابهَا الْمِسْك وَسَبْع وَتِسْعُونَ بَعْد ذَلِكَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعْت وَلَا خَطَر عَلَى قَلْب بَشَر ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة "فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ ""
و أعلى درجات الجنة هي الفردوس و من الفردوس تتفجر منابع الأنهار و العيون التي ذكرت أعلاه فتجري من تحت مساكن أهل الجنة فيشربون منها.
و أعلى مقام في الفردوس الأعلى هو مقام الوسيلة وهو مقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كتب الله له مرافقته.
و يلي الفردوس غرف عليين وهى قصور متعددة الأدوار من الدر والجوهر. يقول الله تعالى "كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ" و إختلف المفسرون في عليين فمنهم من قال أنه كتاب جامع لأعمال الخير من الملائكة و الثقلين و مكانه السماء السابعة و منهم من قال أن عليين هي سدرة المنتهى ينتهي إليها كل شيء من أمر الله! أما الضحاك و مجاهد فيقولان إن عليين هو السماء السابعة وفيها أرواح المؤمنين و أما قتادة فقال أن عليين هو ساق العرش اليمنى.
و يلي غرف عليين غرف أخرى من دونها أخرى و هكذا تتفاوت الغرف باختلاف العمل و الجزاء "فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهو في الغرفات آمنون"، و يرى أهل الغرف أهل الغرف في درجات الجنة الأخرى كما يرى الناس الكواكب والنجوم في السماوات العلا! و أدنى منازل الجنة هي منزلة من كان له ملك مثل عشرة أمثال أغنى ملوك الدنيا، روى عن النبي - صلى الله عليه و سلم - أنه قال " أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم و اثنتان و سبعون زوجة و تنصب له قبة من لؤلؤ و زبرجد و ياقوت كما بين الجابية و صنعاء" و أعلاها منزلة هي منزلة الأنبياء والشهداء والصابرين من أهل البلاء والأسقام والمتحابين فى الله .
و الغرف - في قول بن كثير - هي القصور الشاهقة ومن فوقها غرف مبنية طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات و هنّ مخلوقات من الجواهر الشفافة و" يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها" "فإذا كان ساكنها فيها لم يخف عليه ما خلفها وإذا كان خلفها لم يخف عليه ما فيها" كما جاء في الحديث. و قال الأعمش "حدثنا مالك بن الحارث، عن مغيث بن سمي قال: إن في الجنة قصورا من ذهب وقصورا من فضة وقصورا من لؤلؤ، وقصورا من ياقوت وقصورا من زبرجد". في هذه القصور خياماً عجيبة، كل خيمة منها عبارة عن لؤلؤة مجوفة، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ثلاثون ميلا، في كل ميل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون" و قال أبي الأحوص أن الخيمة "درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب". و فى كل قصر من هذه القصور أيضاً سبعون دارا من ياقوت أحمر في كل دار سبعون بيتا من زمرد أخضر في كل بيت سرير من ياقوت أحمر و له جناحان من زمرد أخضر و على كل سرير سبعون فراشا حشوها النور و ظواهرها السندس و بطائنها من إستبرق وعليها سبعون سترة من نور. وعلى كل سرير زوجة من الحور العين فذلك قوله تعالى "هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ".
أما مجالس هذه القصور و أماكن الجلوس في حدائقها و بساتينها فأُعدت بألوان من الفرش المعدة للجلوس و الإتكاء و فيها من النمارق المصفوفة (المخاد و الوسائد) و الزرابي المبثوثة (البسط). و إتكاء أهل الجنة على تلك الأرائك على هذا النحو من النعيم الذي يتمتعون به حين يجتمعون فيتحدثون دون أحقاد أو غيرة أو أحزان"وَنَزَعْن َا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين" في رياض الجنة "مُتَّكِئِي نَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ".
و في الجنة شجرٌ ساقه من ذهب و أوراقه من الزمرد الأخضر و الجوهر و ثمره كأمثال القلال ألين من الزبد و أحلى من العسل. و يزيد من جمال هذا الشجر أنه كلما صفقته الرياح صدر منه صوت عذب يستفز بالطرب من يسمعه، و إن تشابهت أسماء بعض ثمار الجنة مع الفواكه المعروفة في الدنيا كالتين و العنب و الرمان و الموز و البلح و السدر و غيره مما خلق لنا الله تعالى في هذه الدنيا من ثمار، إلا أن هذه الثمار لاتشبه شجار الدنيا إلا في أسمائها و أما حقيقة شكلها و طعمها فلا يعلمه إلا الله سبحانه و تعالى "وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً" و من شجر الجنة التي أخبرنا عنه التالي:
شجرة طوبى التي "غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة، تنبت الحلي، والثمار متهدلة على أفواهها" و هذه الشجرة بالغة العظم في حجمها و تتفتق ثمارها عن ثياب أهل الجنة و في كل ثمرة من ثمارها سبعين ثوباً بلون السندس (الحريرالرقيق ) والأستبرق ( الحرير السميك ).
سدرة المنتهى "وهى شجرة عظيمة تحت عرش الرحمن ويخرج من أصلها أربعة أنهار ويغشاها نور الله والعديد من الملائكة وهى مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام ومعه أطفال المؤمنين الذين ماتوا وهم صغار يرعاهم كأب لهم جميعا وأوراقها تحمل علم الخلائق وما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى".
و هذا الشجر ليس بحاجة إلى الشمس أو ظلمة الليل كي ينمو - وليس في الجنة ليل أو نهار و لكن نور يظهر من قبل العرش فتعرف منه البكرة و العشية، سبحان الله!
و يمر فوق ذلك الشجر و النهر و المروج سحاب، مطره ليس كمطر الدنيا بل طيبٌ طيّبٌ ليس لمثل ريحه شيئا قط و إن أهل الجنة ليسألون السحاب أن تمطرهم كواعب أترابا فتمطرهم ما يشاءون من الحور العين .
و الحور العين هن نساء مخلوقات لأهل الجنة قد أعطاهن الله شبابا خالداً و جمالاً لم تره عين من قبل، بياضهن كاللؤلؤ المكنون و لهن نور حتى أن الواحدة منهن لو اطلعت على أهل الأرض لأضاءت الدنيا وما عليها. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم في وصفهن "أن المؤمن لينظر ال مخ ساقها كما ينظر أحدكم الى السلك من الفضة في الياقوت على رؤوسهن التيجان وثيابهن الحرير نضر الله الوجوه وأضاءها بالنور ويجر ثوب إحداهن إذا خطرت في الجنة ألف من الغلمان نزع الله ما في قلوبهن من الغل فلا يعرفن الحسد ولا يكتوين بالغيرة" و قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله في ذلك "بَلَغَنَا فِي الرِّوَايَة أَنَّ سَحَابَة أَمْطَرَتْ مِنْ الْعَرْش فَخُلِقَتْ الْحُور مِنْ قَطَرَات الرَّحْمَة , ثُمَّ ضُرِبَ عَلَى كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ خَيْمَة عَلَى شَاطِئ الْأَنْهَار سَعَتهَا أَرْبَعُونَ مِيلًا وَلَيْسَ لَهَا بَاب , حَتَّى إِذَا دَخَلَ وَلِيّ اللَّه الْجَنَّة اِنْصَدَعَتْ الْخَيْمَة عَنْ بَاب لِيَعْلَم وَلِيّ اللَّه أَنَّ أَبْصَار الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْخَدَم لَمْ تَأْخُذهَا , فَهِيَ مَقْصُورَة قَدْ قُصِرَ بِهَا عَنْ أَبْصَار الْمَخْلُوقِينَ ".
أما الغلمان الذي ورد ذكرهم في الحديث فهم من خلق الجنة المسخر لخدمة أهل الجنة و قضاء حوائجهم، يطوفون عليهم بسبعين آنية من الذهب و الفضة و في كل آنية لون من الطعام ليس في الأخرى مثله. و الغلمان على حالة من صغر السن مخلدون عليها فلا تزيد أعمارهم "وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا " وهم من تمام نعيم الجنة والنظر إليهم و هم منتشرون في قضاء حوائج السادة يبعث في النفس السرور لصباحة وجوههم و حسن ألوانهم و ثيابهم و حليهم.
بينما ينتشر الغلمان في قضاء حاجة السادة تنتشر طيور الجنة فوق شجرها، و إن الطير ليقع على الشجر فيأكل من ثمره و يشرب من أنهار الجنة و عيونها، و في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال "إِنَّ فِي الْجَنَّة طَيْرًا مِثْل أَعْنَاق الْبُخْت تَصْطَفّ عَلَى يَد وَلِيّ اللَّه فَيَقُول أَحَدهَا يَا وَلِيّ اللَّه رَعَيْت فِي مُرُوج تَحْت الْعَرْش وَشَرِبْت مِنْ عُيُون التَّسْنِيم فَكُلْ مِنِّي فَلَا يَزَلْنَ يَفْتَخِرْنَ بَيْن يَدَيْهِ حَتَّى يَخْطِر عَلَى قَلْبه أَكْل أَحَدهَا فَتَخِرّ بَيْن يَدَيْهِ عَلَى أَلْوَان مُخْتَلِفَة فَيَأْكُل مِنْهَا مَا أَرَادَ فَإِذَا شَبِعَ تَجَمَّعَ عِظَام الطَّائِر فَطَارَ يَرْعَى فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَ" و هذه الطيور رائعة الجمال لها سبعون ألف ريشة، تطير ثم تقع على صحفة الرجل من أهل الجنة ثم تنتفض فيخرج من كل ريشة لون طعام أبيض من الثلج و أبرد و ألين من الزبد و أعذب من الشهد، ليس فيه لون يشبه الآخر فيأكل منه ما أراد ثم يعود الطير و يتزود من مروج الجنة و شجرها و ثمرها، و إذا ما طار الطير فوقعت عليه عين الرجل تشتهيه فإنه يخر في الحال بين يديه مشوياً : )
و في الجنة من الطيور و الدوابٌ الأخرى مالا يعلمه إلا الله تعالى، ذُكِر في الحديث منها الفرس و الجمل. أما الفرس فهو من ياقوت أحمر لحديث الرجل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم إن كان في الجنة خيل، فأجابه الرسول "قال إن أحببت ذلك أتيت بفرس من ياقوتة حمراء فتطير بك في الجنة حيث شئت وقال له رجل إن الإبل تعجبني فهل في الجنة من إبل فقال يا عبد الله إن أدخلت الجنة فلك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عيناك" و أما الجمل فهي مخطومة في الجنة لحديث بن مسعود عن الرجل الذي جاء بناقة مخطومة فجعلها في سبيل الله فقال له الرسول صلى الله عليه و سلم "لك بها سبعمائة ناقة مخطومة في الجنة" .
و ذُكِر من أيضاً في دواب الجنة "النجائب" و هي خيلٌ و دواب الجنة المخلوقة من ذهب و فضة و لؤلؤ يركبون عليها فتأخذهم إلى سوق الجنة أو إلى حيث يشاؤون. و في الحديث أن "في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل و من أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در و ياقوت لا تروث و لا تبولا لها أجنحة خطوها مد بصرها فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين اسفل منهم درجة يا رب بما بلغ عبادك هذه الكرامة قال فيقال لهم كانوا يصلون في الليل و كنتم تنامون و كانوا يصومون و كنتم تأكلون و كانوا ينفقون و كنتم تبخلون و كانوا يقاتلون و كنتم تجبنون".
أما سوق الجنة فهو يوم الجمعة يأتونه راكبين نجائبهم و دوابهم فيجلسون على كثبان من المسك فتأتيهم الريح فتأخذ من كثبان المسك، فترمى في وجوههم، وفي نواصي خيلهم ونواصي دوابهم، فيرجعون إلى أهلهم، وقد ازدادوا حسنًا وجمالا، فيقول أهلهم وزوجاتهم من الحوريات: والله لقد ازددتم حسنًا وجمالا، فيقولون: وأنتم -والله- بعدنا لقد ازددتم حسنًا وجمالا. روى الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة "فقال أبو هريرة اسأل الله أن يجمع بيني و بينك في سوق الجنة فقال سعيد أو فيها سوق قال نعم اخبرني رسول الله أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة عن أيام الدنيا فيزورون الله تبارك و تعالى فيبرز لهم عرشه و يتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و منابر من ياقوت و منابر من ذهب و منابر من فضة و يجلس أدناهم و ما فيها دنى على كثبان المسك و الكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا قال أبو هريرة وهل نرى ربنا عز و جل قال نعم قال هل تمارون في رؤية الشمس و القمر ليلة البدر قلنا لا قال فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم و لا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول يا فلان ابن فلان أتذكر يوم فعلت كذا و كذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول بلى أفلم تغفر لي فيقول بلى فمغفرتي بلغت منزلتك هذه قال فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط قال ثم يقول ربنا تبارك و تعالى قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال فيأتون سوقا قد حفت بها الملائكة فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله و لم تسمع الأذان و لم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه و لا يشترى و في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه و ما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس و الهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه و ذلك أنه لا ينبغي لاحد أن يحزن فيها قال ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا و أهلا بحبنا لقد جئت و إن بك من الجمال و الطيب أفضل مما فارقتنا عليه فتقول أنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز و جل و بحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا".
و لباس الجنة هو لباس من الحرير و الذهب ولا يبلى أبد و لكن يرى المرء "المزيد" فيشتهيه و يكون له، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من يدخل الجنة ينعم لا يبأس. لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه".
و يُحلى أهل الجنة بأساور من ذهب و لؤلؤ و فضة وو تيجان على الرؤوس هي من روعة الصياغة مما لا يخطر على قلب بشر، أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن كعب الأحبار قال: "إن لله ملكا - وفي لفظ - : في الجنة ملك، لو شئت أن أسميه لسميته، يصوغ حلى أهل الجنة من يوم خلق إلى أن تقوم الساعة، ولو أن حليا منها أخرج لرد شعاع الشمس. وإن لأهل الجنة أكاليل من در، لو أن إكليلا منها دلي من السماء الدنيا لذهب بضوء الشمس كما تذهب الشمس بضوء القمر". و تدخل الملائكة على أهل الجنة في قصورهم من باب مخصص لها ثلاثة مرات في اليوم يحملون معهم من التحف و الحلي من الله من جنات عدن مما ليس في جناتهم و يخبرونهم أن الله راضٍ عنهم : )
و لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب فباب يدخل عليه منه زواره من الملائكة وباب يدخل عليه منه أزواجه من الحور العين وباب مقفل فيما بينه وبين أهل النار يفتحه إذا شاء ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه وباب فيما بينه وبين دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء..
سبحانك ربي أي نعيم و أي مسرة و أي رضا بعد الدخول على رب العالمين و نعمة النظر إلى وجهه؟!
تلك هي الجنة.. سلعة الله "ألا هل من مشمرٍ للجنة"؟!
ما ذكرت أعلاه - أخي القارئ - هو من وصف الجنة التي هي موجودة الآن حيث أعدها الله للمتقين و غرسها بيده، و سأعود لاحقاً إن شاء الله لإضافة ما يحدث لأهل الجنة حين يدخلونها في الآخرة الخالدة و ما يلقونه من النعيم فيها.
اللهم اجعلنا من داخليها و ساكني أعلى قصورها و تقبّل منا صالح أعمالنا و أرحمنا و منّ علينا برؤية وجهك الكريم!
أنور العراقي
سنأخذكم في رحلة مشوقة بإذن الله أقرؤها كاملة ولن تندموا ابدآ
بسم الله نبدأ....
ورد ذكر "الجنة" بهذه اللفظة 56 مرة، في القرآن، لكنها وردت فيه بأسماء أخرى هي أقرب إلى الصفات التي تدل على ماهيتها و ما يلقاه الإنسان فيها.
فمن أسماءها الفردوس و الغرفة و دار السلام و دار القرار و الحُسنى و جنات النعيم و جنات عدن و دار الخلد و دار المقامة و المقام الأمين و مقعد صدق.
أما أول خلقِها فيروي لنا الترمذي أنه عندما خلق الله الجنة بعث جبريل كي ينظر إليها و ما أعدّ الله لأهلها فذهب جبريل و نظر إليها ثم عاد و قال مُقسِماً: " فوعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها" فأمر الله بها فحُفّت بالمكاره، ثم قال لجبريل إرجع فأنظر إلى ما أعددت لأهلها فيها فعاد جبريل فرأى الجنة وقد حفتها المكاره فرجع إلى الله تعالى وقال: "وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد". ثم أمر الله جبريل أن يذهب أن ينظر إلى النار فذهب جبريل فإذا بالنار يركب بعضها بعضا فرجع إلى الله وقال "وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها" فأمر الله بالشهوات أن تحفّ نار جهنم وقال لجبريل إرجع إليها، فرجع جبريل إليها ورآها محفوفة بالشهوات ثم رجِع إلى الله و قال " وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها".
و تقع الجنة تحت عرش الرحمن مباشرةً و هي فسحة كبيرة و لك أخي القارئ أن تتخيل فسحتها و مساحتها الهائلة إذا ما عرفت أن عرضها عرض السماوات و الأرض وإن إرتفاعها مائة درجة و أن بين كل درجة و الأخرى كما بين السماء و الأرض. و لك أن تتخيل حجمها أيضاً إذا ما عرفت أن في الجنة شجراً يسير الراكب في ظل الواحدة منها مائة عام فلا يقطعه، سبحان الله!
أما بناء الجنة فيتناوب فيه الطوب الذهبي و الطوب الفضي و يتخلله ثمانية أبواب ضخمة ذات مصراعين يسير الراكب السريع بينهما (بعرض الباب) مسيرة ثلاثة أيام. و تظل سبعة من هذه الأبواب الثمانية مغلقة على الدوام حتى يأتيها محمد -صلوات الله عليه وسلامه- فيأخذ بحلقة باب الجنة فيقعقعها فتفتح على مصراعيها، و سوى ذلك فهي تفتح طوال شهر رمضان الفضيل ثم يُعاد غلقها، روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين". أما الباب الثامن - وهو باب التوبة - فقد خلقه الله مفتوحا على الدوام ولا يُغلَق حتى طلوع الشمس من مغربها.
و لأبواب الجنة أسماء هي: باب محمد وهو نفسه باب التوبة ، و باب الصلاة و باب الصوم وهو نفسه باب الريان (يفتح حتى يدخل منه الصائمون ثم يقفل ولا يفتح لأحد غيرهم) و باب الزكاة و باب الصدقة و باب الحج والعمرة و باب الجهاد ("عليكم بالجهاد في سبيل الله ، فإنه بابٌ من أبواب الجنة ، يُذهب الله به الهم والغمّ" ) و باب الصلة.
و إن شئت أن تدخل من أي هذه الأبواب تشاء أخي القارئ فما عليك إلا حمل مفتاحها "الجنة مفتاحها لا آله إلا الله والأعمال الصالحة هي أسنان المفتاح" و من ثم إتباع تعليمات الفتح التي أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من يتوضأ ثم يقول أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله إلاّ فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيهما يشاء"
و إذا كتب الله لنا و لكم الدخول من هذه الأبواب - بحوله و قوته - فكل منا ذاهب إلى مستقرٍ بحسب عمله و درجته و لكن أول ما ستطأه قدمك أخي المسلم هو الزعفران و المسك حيث أن أرض الجنة ترابها الزعفران و طينها المسك.. و سيداعب أنفك رائحة عبقة زكية تملأ جنباتها وهذه الرائحة يجدها المؤمنون من مسيرة اربعين عام. أما سقف الجنة، فكما أسلفتُ الجنة تقع تحت عرش الرحمن مباشرةً، فتخيل أخي جمالَ دارٍ عرش الرحمن سقفٌٌ لها؟! سبحاااااان الله!
وإذا ما جال بصرك في فسحة الجنة فإنك سترى - بإذن الله - من جمال غرسها شجرٌ ضخم ساقه من ذهب و أوراقه رقائق من حُلل و سترى من بديع أنهارها ما يجري منه العسل المصفى و اللبن الذي لا يتغير طعمه و الخمر لذة الشاربين. و تنبع من هذه الأنهار الأربعة عيون الجنة، فمنها عين تسنيم وهى أشرف شراب أهل الجنة من الرحيق المختوم الذي جُعِل للمقربين، و منها عين السلسلبيل التي مُزِجت بالزنجبيل و هي لأهل اليمين و منها عين مُزِج شرابها بالكافور وهي شراب الأبرار. وجميع هذه الأشربة لا تُسكِر ولا تصدع ولا تذهب العقل بل تملأ شاربيها سرورا ونشوة.
بقي أن نذكر من أنهار الجنة نهر الكوثر الذي أعطاه الله للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- و هو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل و فيه طيرٌ أعناقها كأعناق الجمل، سبحان الله، و كذلك نهري البيدخ و بارق. أما نهر البيدخ فيغمس فيه الشهداء فيخرجون منه كالقمر ليلة البدر وقد ذهب عنهم ما وجدوه من أذى الدنيا، و أما بارق فهو على باب الجنة و يجلس عنده الشهداء فيأتيهم رزقهم من الجنة بكرة و عشيا!
كما قلتُ آنفاً للجنة مائة درجة و قد روى ابن جرير عن اليمان الهوزني أنه قال "الْجَنَّة مِائَة دَرَجَة أَوَّلهَا دَرَجَة فِضَّة وَأَرْضهَا فِضَّة وَمَسَاكِنهَا فِضَّة وَآنِيَتهَا فِضَّة وَتُرَابهَا الْمِسْك وَالثَّانِيَة ذَهَب وَأَرْضهَا ذَهَب وَمَسَاكِنهَا ذَهَب وَآنِيَتهَا ذَهَب وَتُرَابهَا الْمِسْك وَالثَّالِثَة لُؤْلُؤ وَأَرْضهَا اللُّؤْلُؤ وَمَسَاكِنهَا اللُّؤْلُؤ وَآنِيَتهَا اللُّؤْلُؤ وَتُرَابهَا الْمِسْك وَسَبْع وَتِسْعُونَ بَعْد ذَلِكَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعْت وَلَا خَطَر عَلَى قَلْب بَشَر ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة "فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ ""
و أعلى درجات الجنة هي الفردوس و من الفردوس تتفجر منابع الأنهار و العيون التي ذكرت أعلاه فتجري من تحت مساكن أهل الجنة فيشربون منها.
و أعلى مقام في الفردوس الأعلى هو مقام الوسيلة وهو مقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كتب الله له مرافقته.
و يلي الفردوس غرف عليين وهى قصور متعددة الأدوار من الدر والجوهر. يقول الله تعالى "كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ" و إختلف المفسرون في عليين فمنهم من قال أنه كتاب جامع لأعمال الخير من الملائكة و الثقلين و مكانه السماء السابعة و منهم من قال أن عليين هي سدرة المنتهى ينتهي إليها كل شيء من أمر الله! أما الضحاك و مجاهد فيقولان إن عليين هو السماء السابعة وفيها أرواح المؤمنين و أما قتادة فقال أن عليين هو ساق العرش اليمنى.
و يلي غرف عليين غرف أخرى من دونها أخرى و هكذا تتفاوت الغرف باختلاف العمل و الجزاء "فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهو في الغرفات آمنون"، و يرى أهل الغرف أهل الغرف في درجات الجنة الأخرى كما يرى الناس الكواكب والنجوم في السماوات العلا! و أدنى منازل الجنة هي منزلة من كان له ملك مثل عشرة أمثال أغنى ملوك الدنيا، روى عن النبي - صلى الله عليه و سلم - أنه قال " أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم و اثنتان و سبعون زوجة و تنصب له قبة من لؤلؤ و زبرجد و ياقوت كما بين الجابية و صنعاء" و أعلاها منزلة هي منزلة الأنبياء والشهداء والصابرين من أهل البلاء والأسقام والمتحابين فى الله .
و الغرف - في قول بن كثير - هي القصور الشاهقة ومن فوقها غرف مبنية طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات و هنّ مخلوقات من الجواهر الشفافة و" يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها" "فإذا كان ساكنها فيها لم يخف عليه ما خلفها وإذا كان خلفها لم يخف عليه ما فيها" كما جاء في الحديث. و قال الأعمش "حدثنا مالك بن الحارث، عن مغيث بن سمي قال: إن في الجنة قصورا من ذهب وقصورا من فضة وقصورا من لؤلؤ، وقصورا من ياقوت وقصورا من زبرجد". في هذه القصور خياماً عجيبة، كل خيمة منها عبارة عن لؤلؤة مجوفة، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ثلاثون ميلا، في كل ميل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون" و قال أبي الأحوص أن الخيمة "درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب". و فى كل قصر من هذه القصور أيضاً سبعون دارا من ياقوت أحمر في كل دار سبعون بيتا من زمرد أخضر في كل بيت سرير من ياقوت أحمر و له جناحان من زمرد أخضر و على كل سرير سبعون فراشا حشوها النور و ظواهرها السندس و بطائنها من إستبرق وعليها سبعون سترة من نور. وعلى كل سرير زوجة من الحور العين فذلك قوله تعالى "هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ".
أما مجالس هذه القصور و أماكن الجلوس في حدائقها و بساتينها فأُعدت بألوان من الفرش المعدة للجلوس و الإتكاء و فيها من النمارق المصفوفة (المخاد و الوسائد) و الزرابي المبثوثة (البسط). و إتكاء أهل الجنة على تلك الأرائك على هذا النحو من النعيم الذي يتمتعون به حين يجتمعون فيتحدثون دون أحقاد أو غيرة أو أحزان"وَنَزَعْن َا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين" في رياض الجنة "مُتَّكِئِي نَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ".
و في الجنة شجرٌ ساقه من ذهب و أوراقه من الزمرد الأخضر و الجوهر و ثمره كأمثال القلال ألين من الزبد و أحلى من العسل. و يزيد من جمال هذا الشجر أنه كلما صفقته الرياح صدر منه صوت عذب يستفز بالطرب من يسمعه، و إن تشابهت أسماء بعض ثمار الجنة مع الفواكه المعروفة في الدنيا كالتين و العنب و الرمان و الموز و البلح و السدر و غيره مما خلق لنا الله تعالى في هذه الدنيا من ثمار، إلا أن هذه الثمار لاتشبه شجار الدنيا إلا في أسمائها و أما حقيقة شكلها و طعمها فلا يعلمه إلا الله سبحانه و تعالى "وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً" و من شجر الجنة التي أخبرنا عنه التالي:
شجرة طوبى التي "غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة، تنبت الحلي، والثمار متهدلة على أفواهها" و هذه الشجرة بالغة العظم في حجمها و تتفتق ثمارها عن ثياب أهل الجنة و في كل ثمرة من ثمارها سبعين ثوباً بلون السندس (الحريرالرقيق ) والأستبرق ( الحرير السميك ).
سدرة المنتهى "وهى شجرة عظيمة تحت عرش الرحمن ويخرج من أصلها أربعة أنهار ويغشاها نور الله والعديد من الملائكة وهى مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام ومعه أطفال المؤمنين الذين ماتوا وهم صغار يرعاهم كأب لهم جميعا وأوراقها تحمل علم الخلائق وما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى".
و هذا الشجر ليس بحاجة إلى الشمس أو ظلمة الليل كي ينمو - وليس في الجنة ليل أو نهار و لكن نور يظهر من قبل العرش فتعرف منه البكرة و العشية، سبحان الله!
و يمر فوق ذلك الشجر و النهر و المروج سحاب، مطره ليس كمطر الدنيا بل طيبٌ طيّبٌ ليس لمثل ريحه شيئا قط و إن أهل الجنة ليسألون السحاب أن تمطرهم كواعب أترابا فتمطرهم ما يشاءون من الحور العين .
و الحور العين هن نساء مخلوقات لأهل الجنة قد أعطاهن الله شبابا خالداً و جمالاً لم تره عين من قبل، بياضهن كاللؤلؤ المكنون و لهن نور حتى أن الواحدة منهن لو اطلعت على أهل الأرض لأضاءت الدنيا وما عليها. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم في وصفهن "أن المؤمن لينظر ال مخ ساقها كما ينظر أحدكم الى السلك من الفضة في الياقوت على رؤوسهن التيجان وثيابهن الحرير نضر الله الوجوه وأضاءها بالنور ويجر ثوب إحداهن إذا خطرت في الجنة ألف من الغلمان نزع الله ما في قلوبهن من الغل فلا يعرفن الحسد ولا يكتوين بالغيرة" و قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله في ذلك "بَلَغَنَا فِي الرِّوَايَة أَنَّ سَحَابَة أَمْطَرَتْ مِنْ الْعَرْش فَخُلِقَتْ الْحُور مِنْ قَطَرَات الرَّحْمَة , ثُمَّ ضُرِبَ عَلَى كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ خَيْمَة عَلَى شَاطِئ الْأَنْهَار سَعَتهَا أَرْبَعُونَ مِيلًا وَلَيْسَ لَهَا بَاب , حَتَّى إِذَا دَخَلَ وَلِيّ اللَّه الْجَنَّة اِنْصَدَعَتْ الْخَيْمَة عَنْ بَاب لِيَعْلَم وَلِيّ اللَّه أَنَّ أَبْصَار الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْخَدَم لَمْ تَأْخُذهَا , فَهِيَ مَقْصُورَة قَدْ قُصِرَ بِهَا عَنْ أَبْصَار الْمَخْلُوقِينَ ".
أما الغلمان الذي ورد ذكرهم في الحديث فهم من خلق الجنة المسخر لخدمة أهل الجنة و قضاء حوائجهم، يطوفون عليهم بسبعين آنية من الذهب و الفضة و في كل آنية لون من الطعام ليس في الأخرى مثله. و الغلمان على حالة من صغر السن مخلدون عليها فلا تزيد أعمارهم "وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا " وهم من تمام نعيم الجنة والنظر إليهم و هم منتشرون في قضاء حوائج السادة يبعث في النفس السرور لصباحة وجوههم و حسن ألوانهم و ثيابهم و حليهم.
بينما ينتشر الغلمان في قضاء حاجة السادة تنتشر طيور الجنة فوق شجرها، و إن الطير ليقع على الشجر فيأكل من ثمره و يشرب من أنهار الجنة و عيونها، و في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال "إِنَّ فِي الْجَنَّة طَيْرًا مِثْل أَعْنَاق الْبُخْت تَصْطَفّ عَلَى يَد وَلِيّ اللَّه فَيَقُول أَحَدهَا يَا وَلِيّ اللَّه رَعَيْت فِي مُرُوج تَحْت الْعَرْش وَشَرِبْت مِنْ عُيُون التَّسْنِيم فَكُلْ مِنِّي فَلَا يَزَلْنَ يَفْتَخِرْنَ بَيْن يَدَيْهِ حَتَّى يَخْطِر عَلَى قَلْبه أَكْل أَحَدهَا فَتَخِرّ بَيْن يَدَيْهِ عَلَى أَلْوَان مُخْتَلِفَة فَيَأْكُل مِنْهَا مَا أَرَادَ فَإِذَا شَبِعَ تَجَمَّعَ عِظَام الطَّائِر فَطَارَ يَرْعَى فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَ" و هذه الطيور رائعة الجمال لها سبعون ألف ريشة، تطير ثم تقع على صحفة الرجل من أهل الجنة ثم تنتفض فيخرج من كل ريشة لون طعام أبيض من الثلج و أبرد و ألين من الزبد و أعذب من الشهد، ليس فيه لون يشبه الآخر فيأكل منه ما أراد ثم يعود الطير و يتزود من مروج الجنة و شجرها و ثمرها، و إذا ما طار الطير فوقعت عليه عين الرجل تشتهيه فإنه يخر في الحال بين يديه مشوياً : )
و في الجنة من الطيور و الدوابٌ الأخرى مالا يعلمه إلا الله تعالى، ذُكِر في الحديث منها الفرس و الجمل. أما الفرس فهو من ياقوت أحمر لحديث الرجل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم إن كان في الجنة خيل، فأجابه الرسول "قال إن أحببت ذلك أتيت بفرس من ياقوتة حمراء فتطير بك في الجنة حيث شئت وقال له رجل إن الإبل تعجبني فهل في الجنة من إبل فقال يا عبد الله إن أدخلت الجنة فلك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عيناك" و أما الجمل فهي مخطومة في الجنة لحديث بن مسعود عن الرجل الذي جاء بناقة مخطومة فجعلها في سبيل الله فقال له الرسول صلى الله عليه و سلم "لك بها سبعمائة ناقة مخطومة في الجنة" .
و ذُكِر من أيضاً في دواب الجنة "النجائب" و هي خيلٌ و دواب الجنة المخلوقة من ذهب و فضة و لؤلؤ يركبون عليها فتأخذهم إلى سوق الجنة أو إلى حيث يشاؤون. و في الحديث أن "في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل و من أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در و ياقوت لا تروث و لا تبولا لها أجنحة خطوها مد بصرها فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين اسفل منهم درجة يا رب بما بلغ عبادك هذه الكرامة قال فيقال لهم كانوا يصلون في الليل و كنتم تنامون و كانوا يصومون و كنتم تأكلون و كانوا ينفقون و كنتم تبخلون و كانوا يقاتلون و كنتم تجبنون".
أما سوق الجنة فهو يوم الجمعة يأتونه راكبين نجائبهم و دوابهم فيجلسون على كثبان من المسك فتأتيهم الريح فتأخذ من كثبان المسك، فترمى في وجوههم، وفي نواصي خيلهم ونواصي دوابهم، فيرجعون إلى أهلهم، وقد ازدادوا حسنًا وجمالا، فيقول أهلهم وزوجاتهم من الحوريات: والله لقد ازددتم حسنًا وجمالا، فيقولون: وأنتم -والله- بعدنا لقد ازددتم حسنًا وجمالا. روى الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة "فقال أبو هريرة اسأل الله أن يجمع بيني و بينك في سوق الجنة فقال سعيد أو فيها سوق قال نعم اخبرني رسول الله أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة عن أيام الدنيا فيزورون الله تبارك و تعالى فيبرز لهم عرشه و يتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و منابر من ياقوت و منابر من ذهب و منابر من فضة و يجلس أدناهم و ما فيها دنى على كثبان المسك و الكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا قال أبو هريرة وهل نرى ربنا عز و جل قال نعم قال هل تمارون في رؤية الشمس و القمر ليلة البدر قلنا لا قال فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم و لا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول يا فلان ابن فلان أتذكر يوم فعلت كذا و كذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول بلى أفلم تغفر لي فيقول بلى فمغفرتي بلغت منزلتك هذه قال فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط قال ثم يقول ربنا تبارك و تعالى قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال فيأتون سوقا قد حفت بها الملائكة فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله و لم تسمع الأذان و لم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه و لا يشترى و في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه و ما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس و الهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه و ذلك أنه لا ينبغي لاحد أن يحزن فيها قال ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا و أهلا بحبنا لقد جئت و إن بك من الجمال و الطيب أفضل مما فارقتنا عليه فتقول أنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز و جل و بحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا".
و لباس الجنة هو لباس من الحرير و الذهب ولا يبلى أبد و لكن يرى المرء "المزيد" فيشتهيه و يكون له، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من يدخل الجنة ينعم لا يبأس. لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه".
و يُحلى أهل الجنة بأساور من ذهب و لؤلؤ و فضة وو تيجان على الرؤوس هي من روعة الصياغة مما لا يخطر على قلب بشر، أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن كعب الأحبار قال: "إن لله ملكا - وفي لفظ - : في الجنة ملك، لو شئت أن أسميه لسميته، يصوغ حلى أهل الجنة من يوم خلق إلى أن تقوم الساعة، ولو أن حليا منها أخرج لرد شعاع الشمس. وإن لأهل الجنة أكاليل من در، لو أن إكليلا منها دلي من السماء الدنيا لذهب بضوء الشمس كما تذهب الشمس بضوء القمر". و تدخل الملائكة على أهل الجنة في قصورهم من باب مخصص لها ثلاثة مرات في اليوم يحملون معهم من التحف و الحلي من الله من جنات عدن مما ليس في جناتهم و يخبرونهم أن الله راضٍ عنهم : )
و لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب فباب يدخل عليه منه زواره من الملائكة وباب يدخل عليه منه أزواجه من الحور العين وباب مقفل فيما بينه وبين أهل النار يفتحه إذا شاء ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه وباب فيما بينه وبين دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء..
سبحانك ربي أي نعيم و أي مسرة و أي رضا بعد الدخول على رب العالمين و نعمة النظر إلى وجهه؟!
تلك هي الجنة.. سلعة الله "ألا هل من مشمرٍ للجنة"؟!
ما ذكرت أعلاه - أخي القارئ - هو من وصف الجنة التي هي موجودة الآن حيث أعدها الله للمتقين و غرسها بيده، و سأعود لاحقاً إن شاء الله لإضافة ما يحدث لأهل الجنة حين يدخلونها في الآخرة الخالدة و ما يلقونه من النعيم فيها.
اللهم اجعلنا من داخليها و ساكني أعلى قصورها و تقبّل منا صالح أعمالنا و أرحمنا و منّ علينا برؤية وجهك الكريم!
أنور العراقي
0 التعليقات:
إرسال تعليق